فصل: شهر المحرم سنة 1226:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر المحرم سنة 1226:

فكان أول المحرم يوم السبت فيه أظهر الباشا إليه تمام بأمر الحجاز والتجهيز للسفر وركب في ليلة الجمعة سابعه إلى السويس وسافر صحبته السيد محمد المحروقي وقام باحتياجاته ولوازمه فلما وصل إلى السويس حجز الداوات التي وصلت بالمحمل وسفر عدة من المراكب التي أنشأها ليقبضوا على الداوات والسفن التي بالأساكل وحوزها واستولى على البن الذي وجده ببندر السويس للتجار فلما وصل خبر ذلك إلى مصر فغلا سعر البن وزاد حتى وصل إلى خمسين ريالاً فرانسة بعد أن كان بستة وثلاثين عنها اثنا عشر ألف فضة وخمسمائة نصف فضة.

.شهر صفر الخير سنة 1226:

واستهل شهر صفر الخير بيوم الأحد في ثانية يوم الاثنين حضر الباشا من السويس إلى مصر في سادس ساعة من الليل فضربوا في صبحها عدة مدافع لحض لحضوره وقد حضر على هجين بمفرده ولم يصحبه إلا رجل بدوي على هجين أيضاً ليدله على الطريق وقطع المسافة في إحدى عشرة ساعة وحضر من كان بصحبته في ثاني يوم وهم مجدون السفر وحضر السيد محمد المحروقي بحموله في اليوم الثالث وأخبروا أن الباشا أنزل من ساحة السويس خمسة مراكب من المراكب التي أنشأها باحتياجاتها ولوازمها وعساكرها ووجههم إلى ناحية اليمن ليقبضوا على ما يجدونه من المراكب وإن الصناع مجتهدون في العمل في مراكب كبار لحمل الخيول والعساكر واللوازم.
فيه، حضر صالح آغا قوج حاكم أسيوط وتناقلت الأخبار عن الأمراء المصريين القبليين بأنهم حضروا إلى الطينة ورجعوا إلى ناحية قنا وقوض وخرج إليهم أحمد آغالاظ وتحارب معهم وقتل من عساكره عدة وافرة.
وفيه، قلد الباشا ابنه طوسون باشا ساري عسكر الركب الموجه إلى الحجاز وأخرجوا جيشهم إلى ناحية قبة العزب ونصبوا عرضياً وخياماً وأظهر الباشا الاجتهاد الزائد والعجلة وعدم التواني ونوه بتسفير عساكر لناحية الشام لتمليك يوسف باشا لمحله وسارى عسكرهم شاهين بك الألفي ونحو ذلك من إلإيهامات وطلب من المنجمين أن يختاروا وقتاً صالحاً لإلباس ابنه خلعة السفر فاختاروا له الساعة الرابعة من يوم الجمعة فلما كان يوم الخميس رابعه طاف الاي جاويش بالأسواق على صورة الهيئة القديمة في المناداة على المواكب العظيمة وهو لابس الضلمة والطبق على رأسه وراكب حمار عال وأمامه مقدم بعكاز وحوله قابجية ينادون بقولهم يا رن ألاي ويكررون ذلك في أخطاط المدينة وطافوا بأوراق التنابيه على كبار العسكر والبينبات والأمراء المصرية الألفية وغيرهم يطلبونهم للحضور في باكر النهار إلى القلعة ليركب الجميع بتجملاتهم وزينتهم أمام الموكب فلما أصبح يوم الجمعة سادسه ركب الجميع وطلعوا إلى القلعة وطلع المصرية بمماليكهم وأتباعهم وأجنادهم فدخل الأمراء عند الباشا وصبحوا عليه وجلسوا معه حصة وشربوا القهوة وتضاحك معهم ثم أنجر الموكب على الوضع الذي رتبوه فانجر طائفة الدلاة وأميرهم المسمى أزون علي ومن خلفهم الوالي والمحتسب والوجاقلية والألداشات المصرية ومن تزيا بزيهم ومن خلفهم طوائف العسكر الرجالة والخيالة والبيكباشيات وأرباب المناصب منهم وإبراهيم آغا آغات الباب وسليمان بك البواب يذهب ويجيء ويرتب الموكب وكان الباشا قد بيت مع حسن باشا وصالح قوج والكتخدا فقط غدر المصرية وقتلهم وأسر بذلك في صبحها إبراهيم آغا آغات البابا فلما انجر الموكب وفرغ طائفة الدلاة ومن خلفهم من الوجاقلية والألداشات المصرية وانفصلوا من باب العزب فعند ذلك أمر صالح قوج بغلق الباب وعرف طائفته بالمراد فالتفتوا ضاربين بالمصرية وقد احصروا بأجمعهم في المضيق المنحدر الحجر المقطوع في أعلي باب العزب مسافة ما بين الباب الأعلى الذي يتوصل منه إلى رحبة سوق القلعة إلى الباب الأسفل وقد أعدوا عدة من العساكر أوقفوهم على علاوى النقر الحجر والحيطان التي به فلما حصل الضرب التحتانيين أراد الأمراء الرجوع القهقري فلم يمكنهم ذلك لانتظام الخيول في مضيق النقر وأخذهم ضرب البنادق والقرابين من خلفهم أيضاً وعلم العسكر الواقفون بالأعلى المراد فضربوا أيضاً فلما نظروا ما حل بهم سقط في أيديهم وارتبكوا في أنفسهم وتحيروا في أمرهم ووقع منهم أشخاص كثيرة فنزلوا عن الخيول واقتحم شاهين بك وسليمان بك البواب وآخرون في عدة من مماليكهم راجعين إلى فوق والرصاص نازل عليهم من كل ناحية ونزعوا ما كان عليهم من الفراوي والثياب الثقيلة ولم يزالوا سائرين وشاهرين سيوفهم حتى وصلوا إلى الرحبة الوسطى المواجهة لقاعة الأعمدة وقد سقط أكثرهم وأصيب شاهين بك وسقط إلى الأرض فقطعوا رأسه وأسرعوا بها إلى الباشا ليأخذوا عليها البقشيش وكان الباشا عندما ساروا بالموكب ركب من ديوان السراية وذهب إلى البيت الذي به الحريم وهو بيت إسمعيل أفندي الضربخانه وأما سليمان بك البواب فهرب من حلاوة الروح وصعد إلى حائط البرج الكبير فتابعوه بالضرب حتى سقط وقطعوا رأسه أيضاً وهرب كثير إلى بيت طوسون باشا يظن الالتجاء به والاحتماء فيه فقتلوهم وأسرف العسكر في قتل المصريين وسلب ما عليهم من الثياب ولم يرحموا أحداً وأظهروا كامن حقدهم وضبعوا فيهم وفيمن رافقهم متجملاً معهم من أولاد الناس وأهالي البلد الذين تزيوا بزيهم لزينة الموكب وهم يصرخون ويستغيثون ومنهم من يقول إنا لست جندياً ولا مملوكاً وآخر يقول إنا لست من قبيلتهم فلم يرقوا لصارخ ولا شاك ولا مستغيث وتتبعوا المتشتتين والهربانين في نواحي القلعة وزواياها والذين فروا ودخلوا في البيوت والأماكن وقبضوا على من أمسك حياً ولم يمت من الرصاص أو متخلفاً عن الموكب وجاساً مع الكتخدا كأحمد بك الكيلارجي ويحيى بك الألفي وعلي كاشف الكبير فسلبوا ثيابهم وجمعوهم إلى السجن تحت مجلس كتخدا بك ثم أحضروا أيضاً المشاعلي لرمي أعناقهم في حوش الديوان واحداً بعد واحد من ضحوة النهار إلى أن مضى حصة من الليل في المشاعل حتى امتلأ الحوش من القتلى ونم مات من المشاهير المعروفين وانصرع في طريق القلعة قطعوا رأسه وسحبوا جثته إلى باقي الجثث حتى أنهم ربطوا في رجلي شاهين بك ويديه حبالاً وسحبوه على الأرض مثل الحمار الميت إلى حوش الديوان هذا ما حصل بالقلعة وأما أسفل المدينة فإنه عندما أغلق باب القلعة وسمع من بالرميلة صوت الرصاص وقعت الكرشة في الناس وهرب من كان واقفاً بالرميلة من الأجناد في انتظار الموكب وكذلك المتفرجون واتصلت الكرشة بأسواق المدينة فانزعجوا وهرب من كان بالحوانيت لانتظار الفرجة وأغلق الناس حوانيتهم وليس لأحد علم بما حصل وظنوا ظنوناً وعندما تحقق العسكر حصول الواقعة وقتل الأمراء انبثوا كالجراد المنتشر إلى بيوت الأمراء المصريين ومن جاورهم طالبين النهب والغنيمة فولجوها بغتة ونهبوها نهبة ذريعاً وهتكوا الحرائر والحريم وسحبوا النساء والجواري والخوندات والستات وسلبوا ما عليهن من الحلي والجواهر والثياب وأظهروا الكامن في نفوسهم ولم يجدوا مانعاً ولا رادعاً وبعضهم قبض على يد امرأة ليأخذ منها السوار فلم يتمكن من نزعها بسرعة فقطع يد المرأة وحل بالناس في بقية ذلك اليوم من الفزع والخوف وتوقع المكروه ما لا يوصف لأن المماليك والأجناد تداخلوا وسكنوا في جميع الحارات والنواحي وكل أمير له دار كبيرة فيها عياله وأتباعه ومماليكه وخيوله وجماله وله دار وداران صغار في داخل العطف ونواحي الأزهر والمشهد الحسيني يوزعون فيها ما يخافون عليه لظنهم بعدها وحمايتها بحرمة الخطة وصونها عند وقوع الحوادث وكثير من كبار العسكر مجاورون لهم في جميع النواحي ويرمقون أحوالهم ويطلعون على أكثر حركاتهم وسكناتهم ويتدخلون فيهم ويعاشرونهم ويسامرونهم بالليل ويظهرون لهم الصداقة والمحبة وقلوبهم محشوة من الحقد عليهم والكراهة لهم بل ولجميع أبناء العرب فلما حصلت هذه الحادثة بادروا لتحصيل ما هو لهم وأظهروا ما كان مخفياً في صدورهم وخصوصاً من التشفي في النساء فإن العظيم منهم كان إذا خطب أدنى امرأة ليتزوج بها فلا ترضى به وتعافه وتأنف قربه وإن ألح عليها استجارت بمن يحميها منه وإلا هربت من بيتها واختفت شهورها وذلك بخلاف ما إذا خطبها أسفل شخص من جنس المماليك أجابته في الحال واتفق أنه لما اصطلح الباشا مع الألفية وطلبوا البيوت ظهر كثير من النساء المستترات المخفيات وتنافسن في زواجهم وعملن لهم الكساوي وقدمن لهم التقادم وصرفن عليهم لوازم البيوت التي تلزم الأزواج لزوجاتهم كل ذلك بمرأى من الأتراك يحقدونه في قلوبهم وفيهم من حمى جاره وصان دياره ومانع أعلاهم أدناهم وقليل ما هم وذلك لغرض يبتغيه وأمر يرتجيه فإنه بعد ارتفاع النهب كانوا يقبضون عليهم من البيوت فيستولي الذي حماه ودافع عنه على داره وما فيها وأنهبت دور كثيرة من المجاورين لهم أو لدور أتباعهم بأدنى شبهة أو يدخلون بحجة التفتيش ويقولون عنكم مملوك أو سمعنا أن عندكم وديعة لمملوك وبات الناس وأصبحوا على ذلك ونهب في هذه الحادثة من الأموال والأمتعة ما لا يقدر قدره ويحصيه إلا الله سبحانه وتعالى ونهبت دور كثيرة من دور الأعيان الذين ليسوا من الأمراء المقصودين ومن المتقيدين بخدمة الباشا مثل ذي الفقار كتخدا المتولي خولياً على بساتين الباشا التي أنشأها بشبرا وبيت الأمير عثمان آغا الورداني ومصطفى كاشف المورلي والأفندية الكتبة وغيرهم وأصبح يوم السبت والنهب والقتل والقبض على المتوارين والمتخفين مستمر ويدل البعض على البعض أو يغمز عليه وركب الباشا في الضحوة ونزل من القلعة وحوله أمراؤه الكبار مشاة وأمامه الصفاشية والجاويشية بزينتهم وملابسهم الفاخرة والجميع مشاة ليس فيهم راكب سواه وهم محدقون به وأمامه وخلفه عدة وافرة والفرح والسرور بقتل المصريين ونهبهم والظفر بهم طافح من وجوههم فكان كلما مر على أرباب الدرك والقلقات والضابطين وقف عليهم ووبخهم على النهب وعدم منعهم لذلك والحال أنهم هم الذين كانوا ينهبون أولاً ويتبعهم غيرهم فمروا على العقادين الرومي والشوائين فخرج إليه شخص من تجار المغاربة يسمى العربي الحلو وصرخ في وجهه وهو يقول إيش هذا الحال وإيش لنا علاقة حتى ينهبنا العسكر ونحن ناس فقراء مغاربة متسببون ولسنا مماليك ولا أجناد فوقف إليه وأرسل معه نفراً إلى داره فوجدوا بها شخصين أحدهما تركي والآخر بلدي وهما يلتقطان آخر النهب وما سقط من النهابين فأمر بقتلهما فأخذوهما إلى باب الخرق وقطعوا رؤوسهما ثم أنه عطف على جهة الكعكيين فلاقاه من أخبره بأن المشايخ مجتمعون ونيتهم الركوب لملاقاته والسلام عليه والتهنئة بالظفر فقال أنا أذهب إليهم ولم يزل في سيره حتى دخل إلى بيت الشيخ الشرقاوي وجلس عنده ساعة لطيفة وكان قد التجأ إلى الشيخ شخصان من الكشاف المصرية فكلمه في شأنهما وترجى عنده في إعتاقهما من القتل وأن يؤمنهما على أنفسهما وقال له لا تفضح شيبتي يا ولدي واقبل شفاعتي واعطهما محرمة الأمان فأجابه إلى ذلك وقال له شفاعتك مقبولة ولكن نحن لا نعطي محارم وأنا أماني بالقول أو نكتب ورقة ونرسلها إليك بالأمان فاطمأن الشيخ لذلك ثم قام الباشا وركب وطلع إلى القلعة وأرسل ورقة إلى الشيخ بطلبهما فقال لهما الشيخ أن الباشا أرسل هذه الورقة يؤمنكما ويطلبكما إليه فقالا وما يفعل بذهابنا إليه فلا شك في أنه يقتلنا فقال الشيخ لا يصلح ذلك ولا يكون كيف أنه يأخذكم من بيتي ويقتلكم بعد أن قبل شفاعتي فذهبا مع الرسول فعندما وصلا إلى الحوش وهو مملوء بالقتلى وضرب الرقاب واقع في المحبوسين والمحضرين قبضوا عليهما وأدرجا في ضمنهم وفي ذلك اليوم نزل طوسون بن الباشا وقت نزول أبيه وشق المدينة وقتل شخصاً من النهابين أيضاً فارتفع النهب وانكف العسكر عن ذلك ولولا نزول الباشا وابنه في صبح ذلك اليوم لنهب العسكر بقية المدينة وحصل منهم غاية الضرر وأما القبض على الأجناد والمماليك فمستمر وكذلك كل من كان يشبههم في الملبس والزي وأكثر من كان يقبض عليهم عساكر حسن باشا الأرنؤدي فيكبسون عليهم في الدور أو في الأماكن التي تواروا فيها واستدلوا عليهم فيقبضون على من يقبضون عليه وينهبون من الأماكن ما يمكنهم حمله وثياب النساء وحليهن ويسحبون الواحد والاثنين أو أكثر بينهم ويأخذون عمائمهم وثيابهم وما في جيوبهم في أثناء الطريق وإذا كان كبيراً أو أميراً يستحي منه طلبوه بالرفق فإذا ظهر لهم قالوا له سيدنا حسن باشا يستدعيك إليه فلا تخش من شيء ويطمئن قليلاً ويظن أنهم يجبرونه وعلى أنه حال لا يسعه إلا الإجابة لأنه إن امتنع أخذوه قهراً فإذا خرج من الدار استصحبه جماعة منهم وطلع البواقي إلى الدار فأخذوا ما قدروه عليه ولحقوا بهم وجرى على المأخوذ ما يجري على أمثاله من المأخوذين والبعض توارى والتجأ إلى طائفته الدلاة الفلاحات اللاتي يبعن الجلة والجبنة وذهبوا في ضمنهم وفر من نجا منهم وتزيا بشكلهم ولبس له طرطوراً وأجاروه وهرب كثير في ذلك اليوم وخرجوا إلى قبلي وبعضهم تزيا بزي النساء الفلاحين وخرج في ضمن إلى الشام وغيرها وأما كتخدا بك فإنه لشدة بغضه فيهم صار لا يرحم منهم أحداً فكان كل من أحضروه ولو فقيراً هرماً من مماليك الأمراء الأقدمين يأمر بضرب عنقه، وأرسل أوراقاً إلى كشاف النواحي والأقاليم بقتل كل مكن وجدوه بالقرى والبلدان فوردت الرؤوس في ثاني يوم من النواحي فيضعونها بالرميلة وعلى مصطبة السبيل المواجه لباب زويلة وكان كثير من الأجناد بالأرياف لتحصيل الفرض التي تعهدوا بدفعها على فلاحيهم وانقضت أجلتهم وطولبوا بالدفع والفلاحون قصرت أيديهم ولم يقبلوا للملتزمين عذراً في التأخير، فلم يسعهم إلا الذهاب بأنفسهم لأجل خلاص المطلوب منهم للديوان فعندما وصلت الأوامر إلى كشاف الأقاليم بقتل الكائنين بالبلاد بادروا بقتل من يمكنهم قتله ومن بعد عنهم أرسلوا لهم العساكر في محلاتهم فيدهمونهم على حين غفلة ويقتلونهم وينهبون متاعهم وما جمعوه من المال ويرسلون برؤوسهم أو يتحيلون على القبض عليهم وقتلهم فصار يصل في كل يوم العدد من الرؤوس من قبلي وبحري ويضعونها على باب زويلة وباب القلعة، ولم يقبلوا شفاعة في أحد أبداً ويعطون الأمان للبعض فإذا حضروا قبضوا عليهم وشلحوهم ثيابهم وقتلوهم والباشا يعلم من كتخداه شدة الكراهة لجنس المماليك ففوض له الأمر فيهم حتى أنه كان بينه وبين محمد آغا كتخدا الجاويشية سابقاً بعض منافرة من مدة سابقة أو لكونه صاهر بعض الألفية وزوجه ابنته، وكان غائباً ببلدة يقال لها الفرعونية جارية في إقطاعه وتعهد بما عليها من الفرضة فذهب إليها بنفسه ليستخلص منها الفرضة والمال الميري فأرسل الكتخدا بك إلى كاشف المنوفية قبل الحادث بيوم يأمره فيه بأمره فأرسل إليه طائفة من العسكر دخلوا عليه في الفجرية وهو يتوضأ الصلاة الصبح فقتلوه وقطعوا رأسه وأحضروها إلى مصر وكانوا يأتون بأشخاص من بقايا البيوت القديمة فيمثلونهم بين يدي الكتخدا فيسألهم فيخبرون عن أنفسهم ونسبتهم فيكذبهم ويأمر بهم إلى الحبس الأعلى حتى يتبين أمرهم فإما تدركهم الألطاف فينجون بعد معاينة الموت وهذا في النادر فقتل في هذه الحادثة أكثر من ألف إنسان أمراء وأجناد وكشاف ومماليك، ثم صاروا يحملون رممهم على الأخشاب ويرمونهم عند المغسل بالرميلة ثم يرفعونهم ويلقونهم في حفر من الأرض فوق بعضهم البعض لا يتميز الأمير عن غيره وسلخوا عدة رؤوس من رؤوس العظماء وألقوا جماجمهم المسلوخة على الرمم في تلك الحفر فكانت هذه الكائنة من أشنع الحوادث التي لم يتفق مثلها ولم ينج الألفية إلا أحمد بك زوج عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير فإنه كان غائباً بناحية بوش وأمين بك تسلق من القلعة وهرب من ناحية الشام وعمر بك أيضاً الألفي كان مسافراً في ذلك اليوم إلى الفيوم فقتلوه هناك وبعثوا برأسه بعد خمسة أيام ومعها نحو الخمسة عشر رأساً وأرسل دبوس أوغلي حاكم المنية خمسة وثلاثين رأساً وحضر من ناحية بحري غير ذلك كثير. أحضروها إلى مصر وكانوا يأتون بأشخاص من بقايا البيوت القديمة فيمثلونهم بين يدي الكتخدا فيسألهم فيخبرون عن أنفسهم ونسبتهم فيكذبهم ويأمر بهم إلى الحبس الأعلى حتى يتبين أمرهم فإما تدركهم الألطاف فينجون بعد معاينة الموت وهذا في النادر فقتل في هذه الحادثة أكثر من ألف إنسان أمراء وأجناد وكشاف ومماليك، ثم صاروا يحملون رممهم على الأخشاب ويرمونهم عند المغسل بالرميلة ثم يرفعونهم ويلقونهم في حفر من الأرض فوق بعضهم البعض لا يتميز الأمير عن غيره وسلخوا عدة رؤوس من رؤوس العظماء وألقوا جماجمهم المسلوخة على الرمم في تلك الحفر فكانت هذه الكائنة من أشنع الحوادث التي لم يتفق مثلها ولم ينج الألفية إلا أحمد بك زوج عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير فإنه كان غائباً بناحية بوش وأمين بك تسلق من القلعة وهرب من ناحية الشام وعمر بك أيضاً الألفي كان مسافراً في ذلك اليوم إلى الفيوم فقتلوه هناك وبعثوا برأسه بعد خمسة أيام ومعها نحو الخمسة عشر رأساً وأرسل دبوس أوغلي حاكم المنية خمسة وثلاثين رأساً وحضر من ناحية بحري غير ذلك كثير.
وأما من قتل في ذلك اليوم ممن له ذكر وبلغني خبره فهم شاهين بك كبير الإلفية ويحيى بك ونعمان بك وحسين بك الصغير ومصطفى بك الصغير ومراد بك وعلي بك هؤلاء من الإلفية ومن غيرهم أحمد بك الكيلارجي ويوسف بك أبو دياب وحسن بك صالح ومرزوق بك بن إبراهيم بك تابعاه وقاسم بك تابع مراد بك الكبير وسليم بك الدمرجي ورستم بك الشرقاوي ومصطفى بك أيوب ومصطفى بك تابع عثمان بك حسن وعثمان بك إبراهيم وذو الفقار تابع جوجر وهو رجل كبير من الأقدمين البطالين هرب هو ومصطفى بك الجداوي وآخر عند صالح بك السلحدار والتجؤا إليه وطمنهم وأرسل بخبرهم فحضر الأمر بقطع رؤوسهم فأحضر المشاعلي وقطع رؤوسهم في مقعده وأرسلها.
ومن الأمراء الكشاف الإلفية فهم علي كاشف الخزندار وعثمان كاشف الحبشي ويحيى كاشف ومرزوق كاشف وعبد العزيز كاشف ورشوان كاشف وسليم كاشف ططر وقايد كاشف وجعفر كاشف وعثمان كاشف ومحمد كاشف أبو قطية وأحمد كاشف الفلاح وأحمد كاشف صهر محمد آغا وخليل كاشف قيطاس وأحمد كاشف وموسى كاشف وغير ذلك ممن لم يحضرني أسماؤهم وهم كثيرون وختم الله للجميع بالخير فإنه بلغني ممن عاينهم بالحبوس وفي حال القتل أنهم كانوا يقرأون القرآن وينطقون بالشهادتين والاستغفار وبعضهم طلب ماء وتوضأ وصلى ركعتين قبل أن يرمي عنقه ومن لم يجد ما تيمم ولاشتغال أهل المقتولين بأنفسهم وما حصل لهم من النهب والسلب والتشتيت عن أوطانهم لم يعوا ولم يسألوا عن موتاهم غير أم مرزوق بك بن إبراهيم بك الكبير فإنها وجدت عليه وجداً عظيماً وطلبته في القتلى فعرفوا جثته بعلامة فيه وجمجمته بكونه كان كريم العين فأخرجوه وكفنوه ودفنوه في تربتهم وذلك بعد مضي يومين من الحادثة واجتمع عندها الكثير من أهل المقتولين ونسائهم وأقاموا على ذلك شهوراً.
وفي الحادثة أرسل محرم بك صهر الباشا حاكم الجيزة فجمع مال المصرية بإقليم الجيزة في الربيع من الخيول والجمال والهجن وغيرها فكان شيئاً كثيراً.
وفي ثامنه نودي على نساء المقتولين بالأمان وأن يحضرن إلى بيوتهن ويسكن فيها مع كونها صارت بلاقع فرجع البعض وهن اللاتي لم يحصل لهن كثير الضرر وبقي البعض في اختفائه وأنعم الباشا على خواصه بالبيوت بما فيها فنزلوها وسكنوها وألبسوا النساء الخواتم وجددوا الفرش والأواني وغالبها من المنهوبات وأنعم ببيت شاهين بك على حسين آغا من أقاربه، ولم يحصل به ما حصل بغيره لكونه ملاصقاً لبيت طاهر باشا وأرسل الباشا طائفة من العسكر جلسوا على بابه وأما أحمد بك الألفي فإنه وصله النذير فانتقل من بوش وذهب عند الأمراء القبالي، ولما وصلتهم أخبار هذه الحادثة وبلغ إبراهيم بك موت ولده على هذه الصورة وأقاموا العزاء على إخوانهم ولبسوا السواد.
وفي ثاني يوم الوقعة، حضر أحد الكشاف رسولاً من عند الأمراء القبليين يطلبون العفو من الباشا وأن يعطيهم جهة يتعيشون منها فوعده برد الجواب في غير الوقت فأهمله وما أدري ما تم له.
وفيه قلد الباشا مصطفى بك ابن أخته وجعله كبيراً على طائفة الدلاة، وكان أحضره من ناحية الشرقية ليذهب إلى قبلي وأقام بدله في كشوفية الشرقية علي كاشف بن أحمد كتخدا من المصرلية.
وفي ثامن عشره، عدى مصطفى بك المذكور إلى بر الجيزة ليسافر إلى قبلي ونصب وطاقه بحري القصر وعدي أيضاً الباشا وأقام بالقصر وشرع الدلاة في التعذية ليلاً ونهاراً.
وفيه أيضاً، خرج عدة من عسكر الدلاة نحو الخمسمائة نفر إلى ناحية قبة العزب ليسافروا إلى بلادهم فاستمروا في قضاء أشغالهم أياماً، ثم سافروا.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه، ارتحل مصطفى بك وانتقل إلى ناحية الشيخ عثمان مسافراً إلى قبلي وعدي باشا راجعاً إلى مصر.
وفيه حضر ططريان من الروم يبشران بالعفو عن يوسف باشا المنفصل عن الشام وقبل فيه ترجي باشة مصر وشفاعته.
وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه، أحضروا من ناحية قبلي أربعة وستين شخصاً وأكثرهم من الذين كانوا مستوطنين بالبلاد من بقايا البيوت القديمة السنين العديدة ومحترفين، فلما أحضروهم إلى مصر القديمة أبقوهم إلى الليل في محبس، ثم أوقدوا المشاعل بساحل البحر وقطعوا رؤوسهم ورموا بجثثهم إلى البحر وأتوا بالرؤوس فوضعوها تجاه باب زويلة ليراها الناس كما رأوا غيرها.

.شهر ربيع الأول سنة 1226:

واستهل شهر ربيع الأول بيوم الثلاثاء، وفي يوم الأحد سادسه عمل الباشا لابنه طوسون باشا موكباً عظيماً ونبهوا في ليلتها على اجتماع العسكر في صبحها ونزل هو إلى جامع الغورية ليتفرج على الموكب وصحبته حسن باشا واستعد لذلك السيد المحروقي وفرش له بالجامع المذكور فروشاً ومراتب ووسائد فمر الموكب وفي أوله طائفة الدلاة، فلما فرغوا مروا بعشرة مدافع كبار على عربيات وعربيتين تحملان هونين قنابر وخلفهم طوائف العسكر الرجالة أرنؤد وأتراك وسجمان وهم كثيرون مختلطون من غير ترتيب مدة طويلة، ثم كبارهم ركباناً بطوائفهم، ثم الوالي والمحتسب وآغات مستحفظان، ثم طوائف صاحب الموكب وجنائبه وكذا هجنه، ثم الجاويشية والسعاة والملازمون، ثم طوسون باشا وخلفه أتباعه وأعوانه، ثم الكتخدا وهو محمد كتخدا المعروف بالبرديسي وهو الذي كان كتخدا الألفي وصحبته الخازندار وخلفهم النوبة التركية، ولما انقضى أمر الموكب دعاه المحروقي إلى منزله فنزل معه من باب السر الذي بالجامع المعروف بالغوري وصحبته حسن باشا وتوجهوا إلى بيت المحروقي وتغدى عنده هو وأتباعه وخواصيه وأحضر له آلات الطرب واستمر هناك إلى آخر النهار في حظ وكيف وقدم له المحروقي تعابي هدية، ثم ركب عائداً إلى محله.
وفي يوم الاثنين رابع عشره، نزل الباشا إلى ترعة الفرعونية للاهتمام بسدها ونقل الأحجار في المراكب مستمر فأقام عند السد أربع ليال وذهب إلى الإسكندرية عندما أتته الأخبار بوجود مراكب الإنكليز لأجل مشترى الغلال فذهب ليبيع عليهم الغلال التي جمعها فباع عليهم كل أردب بمائة قرش رومي عنها أربعة آلاف فضة وأكثر واجتهد ببناء أسوار الإسكندرية وجدد بها أبراجاً وحصوناً وأرسل بطلب البنائين والصناع فجمعوهم من كل ناحية وطالت غيبته هناك وأقامته لتتميم أغراضه وأمن مشايخ عربان أولاد على المستولين على البحيرة وتحيل عليهم، فلما حضروا إليه قبض عليهم وقرر عليهم أموالاً عظيمة، ثم خلع عليهم وعوقهم وأرسل العساكر فنهبت نجوعهم وسبوا نساءهم وأولادهم ومواشيهم وأما كتخدا بك فإنه بمصر يقرر الفرض على البلاد هو والكتبة حسب أوامر مخدومه ونظموا كيفية أخرى وهي أنهم جمعوا الميرى والمضاف والفائظ والرزق إيراد أربع سنوات وكتبوا بها مراسيم بنصف المقرر ليقبض في دفعتين وبعد أن تقرر النصف الأول وتحصل منه ما تحصل وبقي الباقي مع النصف الآخر ويطلب من أربابه ولا بد لا مسامحة في شيء منه ومن نكفل بما تقرر على حصته وألزم نفسه بدفعه وكتب على نفسه وثيقة لأجل طولب به حتى قبل حلول الأجل لاحتياج المهمات فتتوجه عليه الحوالات بيد العساكر فينزلون بداره ويلازمونها ويضيقون أنفاسه ويكفلونه ما لا يطيق فلا يجد ملجأ ولا خلاصاً إلا بأحد الشيئين، إما الدفع بأي وجه كان، وإما ينزل عن حصته بالفراغ للديوان ولا يبقى بيده ما يتقوت به هو وعياله ويصبح فقيراً لا يملك شيئاً إن لم يكن له إيراد من جهة أخرى.

.شهر ربيع الثاني سنة 1226:

والكتخدا يتنوع في استجلاب الأموال ويتحيل في استخراجها بأنواع من الحيل فمنها أنه يرسل إلى أهل حرفة من الحرف يأمرهم ببيع بضاعتهم بنصف ثمنها ويظهر أنه يريد الشفقة والرأفة بالناس ويرخص لهم في أسعار المبيعات وأن أرباب الحرف تعدوا الحدود في غلاء الأسعار فيجتمع أهل الحرفة ويضجون ويأتون بدفاترهم وبيان رأس مالهم وما ينضاف إليه من غلو جزئيات تلك البضاعة وما استحدث عليها من الجمارك والمكوس وغلو الأجر في البحر والبر فلا يستمع لقولهم ولا يقبل لهم عذراً ويأمر بهم إلى الحبس، فعند ذلك يطلبون الخلاص ويصالحون على أنفسهم بقدر من المال يدفعونه ويوزعون ذلك على أفرادهم فيما بينهم ثم يزيدون في سعر تلك البضاعة ليعوضوا غرامتهم من الناس معتذرين بتلك الغرامة وما حل بهم من الخسارة، ثم تستمر الزيادة على الدوام وأظن استمرار الغرامة أيضاً، فجمع بهذه الكيفية أموالاً عظيمة وهي في الحقيقة سلب أموال الناس من الأغنياء والفقراء.
وفي أواخره، حضر الباشا من الإسكندرية على حين غفلة فبات بقصر شبرا، ثم حضر إلى بيت الأزبكية فأقام به يومين، ثم طلع إلى القلعة.
وفيه وصلت عساكر كثيرة من الأرنؤد والأتراك حتى غصت بهم المدينة فلا يكاد المار يقع بصره إلا عليهم أمام وخلف وبداخل الأزقة والعطف وذلك خلاف الذين أقرهم وأبقاهم في الإسكندرية ومن هو بالجهات والأقاليم القبلية والبحرية وما يعلم جنود ربك إلا هو.
وفيه اهتم الباشا بتشهيل العرضي اهتماماً زائداً وفرض على البلاد جمالاً وأتباناً وغلالاً.